خطبة الجمعة القادمة 5 فبراير 2021م : حديث القرآن عن بُغاة الفتنة والمفسدين في الأرض، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 5 فبراير 2021م بعنوان : حديث القرآن عن بُغاة الفتنة والمفسدين في الأرض ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 23 جمادى الثانية 1442هـ ، الموافق 5 فبراير 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 5 فبراير 2021م بعنوان : حديث القرآن عن بُغاة الفتنة والمفسدين في الأرض ، للشيخ كمال المهدي:
١- رسالة الأنبياء تدعوا للإصلاح.
٢- أسباب انتشار الفساد.
٣- صور الفساد وأشكاله.
٤- عقوبة المفسدين.
٥- كيف النجاة.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 فبراير 2021م كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة ٢٣ من جمادى الآخرة ١٤٤٢ الموافق ٥ فبراير ٢٠٢١ م بعنوان (حديث القرآن عن بُغاة الفتنة والمفسدين في الأرض).
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
*أما بعد *
أحبتي في الله: –
إن الله جل وعلا خلق الخلق وأراد لهم الخير فأرسل لهم الرسل لإصلاح ما أفسده الناس في حياتهم ومجتمعاتهم في جميع المجالات.
فهذا نبي الله صالح عليه السلام قال لقومه: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الأعراف: ٧٤]. وهذا نبي الله شعيبٌ عليه السلام الذي علم فساد قومه وغشهم في المكيال وظلمهم الناس، فقال لهم (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: ٨٥]. وهذا لوطٌ عليه السلام قال: (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) [العنكبوت: ٣٠].
وهذا موسى عليه السلام يخاطب أخاه نبيَّ الله هارون قائلاً له: (اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف:١٤٢]، وها هم صالحو البشر يخاطبون قارون قائلين له: (وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:٧٧].
هذا هو هدف الأنبياء جميعاً، حيث كانوا يسعون إِلى إِصلاح العقيدة، وإِصلاح الأخلاق، وإِصلاح العمل، وإِصلاح الروابط الاجتماعية. والقضاء على الفساد بكل صوره وأشكاله.
فالله تعالى خلق الإنسان وأسكنه الأرض وأمره بالصلاح والسعي في الإصلاح، ونهاه عن الفساد والإفساد، وأخبره أنه يحب الصلاح وأهله ولا يضيع أجرهم فقال :(إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف/١٧٠] وأخبره أنه لا يحب الفساد وأهله فقال: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة/٢٠٥] وقال: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص/٧٧]
ولقد حارب الإسلام الفساد منذ البداية، حيث جاء ثورة على الفساد المنتشر في الجاهلية، وعزماً أكيداً للقضاء على الأخلاق الذميمة والعصبيات الجاهلية.
وما يؤكد أنّ الدين الإسلامي قد حارب الفساد بكل أشكاله وصوره، أن الله تعالى قد ذكر الفساد ومشتقاته في حوالي خمسين آية، منها قول الله تعالى (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا)
** والمتأمل في زماننا هذا وأيامنا تلك يجد أن الفساد قد فشا وانتشر في كل مكان قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:٤١].
من خلال هذه الآية يتضح لنا أسباب انتشار الفساد.
** فتعالوا بنا أحبتي في الله لنتعرف على أسباب انتشار الفساد وصوره وضرره على العباد والبلاد ثم بعد ذلك نرى طريقا لعلاج هذا الفساد فلابد أن نشخص الداء لنصف بعد ذلك الدواء النافع.
** فأول أسباب انتشار الفساد:
ضعف الوازع الديني، وعدم مراقبة الله جل وعلا، وعدم استشعار أن الله يرى العبد.
**ثانيها: ذنوبُ العباد ومعاصيهم، قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ في الْبَرّ وَلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ) [الروم:٤١]، وقال تعالى (وَمَا أَصَـابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى:٣٠]. الآية تقول: “الفساد ظهر”، وكأن سائلًا سأل: وما سبب ظهور الفساد؟ فأجابت الآية: “بإفساد الناس” فهو معنى قوله -تعالى-: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ).
** ثالثا: فقدان الدور التربوي للأسرة، فكثير من الأسر تركت الحبل على الغارب للأبناء والبنات فلم يتربوا على المراقبة لله تعالى، ولم يقوموا بدورهم ومسؤوليتهم. ونسى الآباء والأمهات أنهم مسؤولون عن أبنائهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)
** رابعها: – وسائل الإعلام، فكثير من القنوات ووسائل الإعلام في بلاد المسلمين لم تقم بدورها في التوجيه والتربية؛ بل تهدم القيم والمبادئ وتنشر الرذيلة والعري والتبرج، فإلى الله المشتكى.
- أحبتي في الله: لهذه الأسباب وغيرها انتشر الفساد بكل صوره والناظر لحال الناس اليوم يرى بينهم كثيراً من صور الفساد، وهي تنذر بالخطر، وتبشر بسوء العاقبة للمفسدين، فتعالوا بنا لنرى بعضا من صور الفساد التي نراها في مجتمعاتنا.
فمن صور الفساد: –
** (سفك الدماء لأتفه الأسباب) فكل يوم نسمع بأن فلانا قتل أخاه وفلانا قتل جاره وصديقه وحينما تسأل عن السبب ترى عجب العُجَاب أسباب تافهة فلا حول ولا قوة إلا بالله.
إنّ سفكُ الدّماء المعصومة من مسلمين ومعاهدين بغير حق وإخافة الآمنين، كبيرةٌ من كبائر الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: “لَزَوَالُ الدّنيا أهونُ على الله مِن قتل المسلم” رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم “مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ..”(رواه البخاري) وفي الحديث: “لا يزال العبدُ في فسحة من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا”.
** ومن صور الفساد: – (السرقة وانتهاب الأموال بأيِّ صورةٍ كانت) ،
ولهذا قال الله عز وجل عن إخوة يوسف عليه السلام-: (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ) [يوسف:٧٣]؛ لأنه من المتقرر أن السرقة ضربٌ من ضروب الإفساد في الأرض.
فالسرقة، والاختلاس، والتربح بالوظيفة، والخيانة للمسؤوليات؛ والإهمال والتقصير في العمل، وعدم الإتقان، والمحسوبية، وبخس العامل حقه، وعدم أداء الأجير أجرته، والإسراف والتبذير والبذخ الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كل ذلك من ألوان الفساد الذي نهى عنه رب العزة جل وعلا.
** ومن صور الفساد: – (بيع المخدرات وانتشارها بين الشباب) وما أعظم ضررها على الناس إفساداً وإضرارا!
** ومن صور الفساد: – (الغش في كل شيء) قال الله تعالى مُبينًا لونًا من ألوان الغِش الذي يتميز به المفسدون: {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ. وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ[الشعراء/١٨١]
لقد أصبح الإنسان لا يجد السلعة الصحيحة، ولا يجد البضاعة الأصلية بسبب الفساد، وبسبب قلة الأمانة، وبسبب عدم الخوف من الله سبحانه وتعالى.
** ومن صور الفساد :-(السحر بأنواعه) ؛ فالسحر آفةٌ عظيمة وبلاء خطير، وتعاطيه فسادٌ عريضٌ في الأرض، قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:٨١].فكم من امرأة طُلِّقت وكم من إنسان مرض وكم وكم كل ذلك بسبب السحر فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
** ومن صور الفساد :-(الفساد المالي الذي استشرى بانتشار الرشاوي) فلقد أصبح الإنسان يجري هنا وهناك لا تنجز معاملته إلا بعد أشهر، وكان يمكن أن تنجز هذه المعاملة في ساعات، بل في دقائق؛ بسبب قلة الأمانة، بسبب أنه لم يدفع، بسبب أنه لم يقدم الرشوة، فساد عظيم.
** ومن صور الفساد : (تقديم غير الأكفاء، واستغلال المناصب للأشياء الشخصية، والمنافع الذاتية وسرقة الأموال بطرق مختلفة عن طريق الانتداب الكاذب، وإخراج التقارير الطبية غير الصحيحة..
- أحبتي في الله :-هذه بعض من صور الفساد التي قد يقع فيها بعض الناس وهم لا يشعرون أنهم يفسدون.
*فتعالوا بنا أحبتي في الله لنتعرف على ما أعده الله تعالى للمفسدين في الأرض وكيف كان الفساد سببا في هلاك الأمم لنكون على حذر. قال تعالى-: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف:١٠٣]
وقال تعالى :(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33]. وقال تعالى (فهل يهلك الا القوم الفاسقون)[الأحقاف /٣٥] وقال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قريةٌ أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول).[الإسراء /١٦]
* فكيف النجاة؟؟
((النجاة)) تكون بالرجوع إلى القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ هو الكتاب الهادي لأقوم سبيل قال تعالى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء/٩]
وهو الكتاب الذي به صلح الناس وصلحت أحوالهم في صدر الإسلام ولا صلاح إلا بالرجوع إليه مرة أخرى، وصدق الإمام مالك رحمه الله حين قال:” لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها “
**((النجاة)) تكمن في قيام أهل الحق والإصلاح بمسؤولياتهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، قال تعالى: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين. وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) [هود/ ١١٦-١١٧].
** ((النجاة)) تكون في أن نتعاون جميعاً على محاربة الفساد، وأن نجعله قضية اجتماعية، فإن البلاء إذا نزل يعم الصالح والطالح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم-: “مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان قوم في أعلاها وقوم في أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء مروا على الذين في أعلاها، فقال الذين في أسفلها لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً بدل أن نؤذي مَن فوقنا”، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “فلو أنهم تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً”.
- أحبتي في الله:- إننا جميعًا مسؤولون عن محاربة الفساد، ومقاومة المفسدين، وإذا رأى الناس الفاسد ثم لم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، هكذا ورد الأثر، ويشهد الواقع..
نعم إذا تخلى الناس عن محاربة الفساد فإن الخطر عظيم والعقوبة جسيمة؛ روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ”، أي: عقاباً يشمل الصالح والفاسد.
فعندما نسكت عن المفسدين ولا نبلغ عنهم ولا ننهاهم، ولا نرفع أمرهم ونتركهم ونسكت عنهم ونجاملهم؛ فإن البلاء سينزل بنا جميعاً، فينبغي ألا نجامل أحداً إذا رأينا مفسداً يستغل الوظيفة أو المؤسسة يحتال، يرتشي، أو يجامل، أو يسرق، أو يفعل أي صورة من صور الفساد أن نبلغ عنه معذرة إلى الله سبحانه حتى لا ينزل بنا العذاب.
تقول أم المؤمنين السيدة زينب رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فزعاً محمراً وجهه يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها قالت: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)، أي إذا كثر الفساد كما صرح بذلك في بعض الروايات الصحيحة الأخرى
وفي الختام: – أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ونسأله جل علا ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
***
كتبه: – الشيخ/ كمال السيد محمود محمد المهدي.
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف